رسالة الراعي الصالح


هل يحل غاز إيران محل "الروسي" ليحد من أزمة الطاقة الأوروبية؟

تتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا والشتاء القارس على الأبواب، وبالتزامن مع ذلك وفي خضم المفاوضات النووية المتعثرة، يدور الحديث كثيرا حول إمكانية استبدال أوروبا الغاز الروسي بالإيراني، والسؤال الذي يُطرح بإلحاح، هل تتمكن إيران حقا من مد أوروبا بالغاز بالسرعة التي تتناسب وتسارع تطور التوترات بين موسكو والغرب؟

ولكن يبدو أن طهران ستفشل في أخذ مكانة روسيا بدون إلغاء العقوبات الأميركية من جهة وحصولها على التقنية الغربية لتطوير المنشآت والحقول الغازية من جهة أخرى، والتي لم يتم صيانتها بشكل تجعلها فعالة على وجه السرعة.

على ضوء تعثر المفاوضات النووية، في الوقت الذي تستعد أوروبا لخفض تدريجي لواردات النفط من روسيا اعتباراً من ديسمبر المقبل، حتى الآن، لم تنجح جهود أوروبا لإيجاد بديل لمصادر الطاقة الروسية.

وفي أحدث جهود بذلتها ألمانيا لإيجاد مصادر جديدة للغاز الطبيعي، شد مستشارها، أولاف شولتز الرحال إلى كندا ليتفاوض مع مسؤولي الحكومة الكندية لاستيراد الطاقة، وفي ختام الرحلة وقع الجانبان على مذكرة تفاهم لاستيراد "500 ألف طن من "الهيدروجين الأخضر" سنويا من كندا، والهيدروجين الأخضر هو هيدروجين يتم الحصول عليه من مصادر متجددة مع نسبة منخفضة جدا من الكربون.

وفي الأسابيع الماضية، حذر وزير النفط الألماني وبعض المفاوضين النوويين، أوروبا مرارا من أن أوروبا تنتظر شتاء قاسيا وأن إيران يمكن أن تلعب دورا نشطا في توفير الطاقة لأوروبا من خلال رفع العقوبات واستبدال روسيا جزئيا في مجال الطاقة.

إيران نفسها تواجه نقصا في الغاز الطبيعي والكهرباء

ويرى الباحث في شؤون الطاقة "أُميد شكري" في تقرير لبي بي سي الفارسي، يجب الأخذ في الاعتبار أن إيران نفسها، واجهت بسبب العديد من المشاكل في قطاع إنتاج الغاز الطبيعي، واجهت في السنوات الأخيرة نقصا في الغاز الطبيعي والكهرباء، وليس من الواضح إلى أي مدى يمكنها أن تلعب دورا مهما لتلبية حاجة أوروبا على الأقل في المديين القصير والمتوسط.

إلى ذلك فقد أعلن وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، في سبتمبر من العام الماضي، على هامش اجتماع لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، عن نقص الغاز في الشبكة الوطنية، وأوضح آنذاك أن شبكة إمداد الغاز الإيرانية تواجه نقصا يوميا قدره 200 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وفي شتاء العام الماضي وربيع وصيف هذا العام، اتخذت وزارة الطاقة الإيرانية إجراءات لتعويض نقص الغاز الطبيعي والكهرباء في الشبكة الوطنية، فقامت بتسليم المازوت لمحطات توليد الكهرباء وقطعت الكهرباء عن وحدات الإنتاج الكبيرة مثل مصانع الأسمنت ومنشآت البتروكيماوية بغية توفير الكهرباء للمنازل، للحؤول دون انقطاع كهرباء المنازل.

وفي الأسبوع الماضي، حذر وزير النفط الإيراني مرة أخرى في مقابلة تلفزيونية، حذر من نقص الغاز الطبيعي في الشتاء القادم واحتمال انقطاع الكهرباء والغاز الطبيعي، ونظرا لتأثير العقوبات على الانخفاض التدريجي لقدرة إيران على إنتاج النفط والغاز، قال: "في السنوات الأخيرة، على الرغم من الاتفاق النووي، وفي الوقت الذي تحتاج صناعة النفط استثمارات كبيرة، إلا أن هذا الأمر لم يتم تحقيقه، فإذا قلنا الآن إن لدينا عجزا في الغاز أو نقصا في طاقة التكرير في البلاد، فالمسألة تعود إلى قلة الاستثمار في هذه القطاعات".

 

وفي خريف العام الماضي، أعلن جواد أوجي نفسه عن حاجة صناعة النفط والغاز في البلاد إلى 160 مليار دولار، ووفقا لأوجي، إذا لم يتم تأمين هذا الحجم من الاستثمار، فستصبح إيران مستورا للنفط والغاز.

وبحسب "النشرة الإحصائية السنوية" لمنظمة أوبك، التي نُشرت في يونيو / حزيران الماضي، فقد زادت صادرات إيران من الغاز الطبيعي بنسبة 60% في عام 2021، ولكن في الوقت نفسه، زاد إنتاج إيران من الغاز الطبيعي بنسبة 3% فقط، في حين تعد إيران ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا.

وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي غاز مؤكد في العالم، وظلت احتياطيات البلاد من الغاز في عام 2021 دون تغيير مقارنة بالعام السابق عند مستوى 98.33 تريليون متر مكعب، بينما نما إجمالي إنتاج الغاز في العالم في عام 2021 بنسبة 8.5% مقارنة بالعام السابق.

وأنتجت إيران في عام 2020، ما مجموعه 250 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 6% من الغاز المنتج في العالم، وتم استهلاك 233 مليار متر مكعب منه في الداخل، ويستشف من مقارنة إحصاءات إنتاج واستهلاك الغاز الطبيعي في إيران مقارنة بدول المنطقة، أنه بالرغم من إنتاج إيران لـ36% من الغاز في الشرق الأوسط، فإنها تستهلك 42% من الغاز الطبيعي في هذه المنطقة.

ووفقا لإحصاءات شركة بريتيش بتروليوم، فقد أنتجت إيران في عام 2021 أكثر من 256 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي بمعدل 701 مليون متر مكعب يوميا، بالطبع لا يتم حقن كل هذه الكمية في الشبكة الوطنية للغاز.

وبهدف رفع نسبة الضغط في الحقول النفطية، تقوم وزارة النفط بحقن الغاز الطبيعي فيها، وبحسب آخر الإحصائيات بهذا الخصوص، يتم حقن 30 إلى 40 مليون متر مكعب من الغاز في آبار النفط يوميا، وبسبب نقص معدات جمع وتحزين الغاز الطبيعي، يتم حرق حوالي 50 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا خلال مراحل الاستخراج من حقول النفط.

ومن خلال إلقاء نظرة مقارنة على إحصائيات إنتاج واستهلاك الغاز الطبيعي في إيران، يمكن فهم أبعاد أزمة الطاقة في السنوات القادمة في هذا البلد.

حقل "غاز الشمال"

هذا الحقل المشترك الذي تطلق عليه إيران اسم "بارس الجنوبي" وقطر "غاز الشمال"، يعد أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، حيث تستخرج قطر الغاز منه بشكل اعتيادي، إلا أن الشريك الإيراني يواجه انخفاض الضغط في حقل "بارس الجنوبي"، الذي يوفر 70% من الغاز المستهلك في إيران، وبهذا يشكل أحد المشاكل الخطيرة لصناعة الغاز الطبيعي في إيران.

للتعويض عن مشكلة انخفاض الضغط في الشق الإيراني من الحقل المشترك مع قطر وهو في النصف الثاني من عمره الإنتاجي، من الضروري تركيب منصات بـ 20 ألف طن والعديد من الضواغط، حيث تبلغ تكلفة البناء والتركيب حوالي 2.5 مليار دولار والعملية سوف تستغرق 3 سنوات، حيث هذه المنصات أكبر بـ10 مرات من المنصات التي تستخدمها إيران لاستخراج الغاز من هذا الحقل.

وبدون رفع العقوبات الأميركية، لا يمكن لإيران استخدام تكنولوجيا الشركات الغربية الكبيرة لبناء هذه المنصات، كما أن الشركات الصينية والروسية تفتقر إلى القدرة على بناء مثل هذه المنصات، بينما وقعت دولة قطر عقدا مع شركات غربية لحل مشكلة انخفاض الضغط في حقل الشمال المشترك مع إيران، وبعد توقيع الاتفاق النووي في 2015، فقد وقعت إيران عقدين مع شركة توتال الفرنسية وشركة الصين الوطنية، لتطوير المرحلة 11 من الحقل، ولكن مع تخلي الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي، فقد انسحبتا من صفقة تطوير الشق الإيراني للحقل.

لذا بمقارنة أرقام الإنتاج والاستهلاك للغاز الطبيعي في إيران، يمكن فهم أبعاد أزمة الطاقة التي تواجهها في السنوات القادمة، لذا من الصعوبة بمكان أن تكون إيران البديل الذي يمنح الدفء لأوروبا التي تنتظر شتاءً قارسا بسبب اعتمادها المفرط على مصادر الطاقة الروسية، وخاصة الغاز الطبيعي.

مصير عقود الغاز مع العراق وتركيا

وتساءلت بي بي سي الفارسي في تقريرها، بما أن إيران تمتلك ثاني احتياطي وهي ثالث منتج للغاز الطبيعي، لماذا لا تستطيع توفير الغاز اللازم لشبكتها المحلية؟ وبالنظر إلى انتهاء عقد تصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا في عام 2026 وعدم التوصل المفاوضات إلى صفقة لتمديد العقد، ما الذي سيحدث لتصدير الغاز الإيراني إلى تركيا مع استمرار الزيادة في الاستهلاك المحلي؟

أما العراق فهو الزبون الآخر للغاز الطبيعي الإيراني، وتحاول بغداد تقليص اعتمادها على الغاز والكهرباء المستوردين من إيران.

وفي غضون ذلك، إذا تم التوصل إلى صفقة بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة باسم الاتفاق النووي، يجب على طهران الموافقة أيضا على شروط "مجموعة العمل المالي" (FITF)، ومراجعة سياستها الخارجية على المدى القصير، لكي توفر الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية واستيراد التكنولوجيا، لتتمكن من زيادة الطاقة الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي.

وفي الوقت الذي تواجه أوروبا أزمة وقود، قد تستمر لعام أو عامين، تواجه إيران أيضا استمرار زيادة استهلاك الغاز الطبيعي في الداخل ونقص الاستثمار والتكنولوجيا الكفيلة بحل مشكلة انخفاض الضغط في الحقل المشترك مع قطر، وغياب الإدارة الصحيحة للاستهلاك المحلي، الأمر الذي سيجعل إيران تواجه تحديات خطيرة للغاية تتعلق بأمن الطاقة والأمن القومي، فلا يمكن لأوروبا الاستفادة السريعة والمضمونة من الغاز الإيراني كبديل للغاز الروسي.

 

الأكثر مشاهدة