رسالة الراعي الصالح


كيف أغفر؟

حملت لسنوات طويلة عبء الغضب وعدم الغفران بسبب الإساءات التي تعرَّضت لها في الطفولة، وبدلًا من التغلُّب على مشاعري، اخترتُ البقاء أسيرة أحاسيسي السلبيَّة والعيش في شفقة دائمة على ذاتي.
لكن إحدى أعظم الهدايا التي نقدِّمها لأنفسنا هي الاستعداد للغفران، فتعلُّم الغفران بسرعة وبسخاء هو أساس السلامة العاطفيَّة ومفتاح فعَّال للتحكُّم بمشاعرنا.

ماذا يفعل لك الغفران
يُفسد الغفران خطَّة العدو الهادفة إلى تدمير علاقاتك، وهو ينزع ألم المرارة ويأتي بسلام الله وقوَّته الشافية إلى نفسك.
وأستطيع أن أؤكِّد لك أمرًا: إذا انتظرتَ حتَّى ترغب في الغفران لأحدهم، فلن تغفر له أبدًا! فقرار العمل بكلمة الله يتجاوز مشاعرنا، وفي بعض الأحيان، يتعيَّن علينا فعل الصواب ببساطة لأنَّ هذا ما ينبغي فعله، لكن طاعة كلمة الله تأتي دومًا بمكافأة إلى حياتنا.

سؤالان مهمَّان جدًّا
اسأل نفسك، ‘‘كيف يكون ردّ فعلي عندما يجرح أحدهم مشاعري؟ هل أطلق العنان لمشاعري وأسمح لها بسلب فرحي؟
من السهل أن نسمح لمشاعرنا بالتحكُّم فينا، ولا نحتاج إلى قوَّة الروح القدس لنفعل أو نقول ما يحلو لنا، لكن عندما نتعاون مع الله ونعمل بكلامه حتَّى لو تعذَّبت مشاعرنا، فإنَّنا نجلب بركات الله إلى حياتنا وإلى حياة المحيطين بنا.

ماذا يجب أن تفعل عندما يجرح أحدهم مشاعرك
قال يسوع في إنجيل لوقا 6: 27-28، ‘‘…أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ’’.
وأقول لك الآن إنَّك قد لا ترغب في تطبيق هذه الآية! لكن إذا فعلت، فسيُكرم الله طاعتك.

أشجعك على الصلاة
يا رب، أنت تعرف كيف أشعر الآن، وبصراحة، لستُ واثقًا من أنَّني أريد أن يكون فلان سعيدًا لكنَّني أعرف ما تقوله كلمتك، وسأتَّخذ خطوة إيمان طاعةً لك. أبي السماوي، أسألك أن تبارك حياته وكل أعمال يديه. من فضلك، اعمَل في قلبه وغيِّره وقرِّبه إليك’’.
عندما نختار أن نغفر لأحدهم ونصلِّي لأجله فإنَّنا نساعد أنفسنا أكثر ممَّا نساعده. ومن الصعب أن تبقى غاضبًا من الآخر إذا كنت تصلِّي لأجله بحرارة. أيضًا تتبع مشاعرنا قراراتنا، وإذا قرَّرنا أن نحسن إلى أحدهم، فسرعان ما ستمتثل مشاعرنا لقرارنا.
نعم، يمكنك القيام بالأمر!
عندما أعلِّم عن الغفران، أستطيع أن أتخيَّل تقريبًا ما يدور في أذهان الناس. ‘‘يا جويس، أنت تطلبين مني أن أغفر؟ لكنَّك لا تعرفين كم عانيت!’’
صدِّقني، أنا أفهمك. فمعاناتك وألمك ورغبتك في رؤية الآخرين يدفعون ثمن أفعالهم يجعل الغفران يبدو خيارًا صعبًا. لكن هذه هي الحقيقة: من الأصعب ألَّا تغفر. فأنا أقول غالبًا إنَّ الغضب يشبه أن تشرب السمّ على أمل أن يموت عدوُّك، والشخص الذي تؤذيه فعلًا هو نفسك!

ثِق في عدل الله
أنا لا أقول إنَّه يجدر بك أن تسمح للناس بالإساءة إليك، لكن الكتاب المقدَّس يدعونا إلى السماح لله بإنصافنا. فالغفران هو ببساطة قرار تتخذه بالثقة بقضاء الله في حياتك. فعندما تسلِّط الله على وضعك، فأنت تفتح الباب لمحبَّته وقوَّته ونعمته وسلامه للتدفُّق في حياتك.
وجاء في رسالة بطرس الأولى 3: 9، ‘‘غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ (قول كلام لاذع)، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ (مصلين لأجل رفاههم وسعادتهم وحمايتهم ومشفقين عليهم، ومبدين محبَّةً لهم)’’

تعلَّم أن تحب أعداءك
منحنا الله نعمته لكي نحسن إلى الآخرين، وحتَّى لمَن لا يحسنون إلينا، ومنحنا القوَّة لكي نصلي لأجل أعدائنا ولئلا نغضب ممَّن يسيئون إلينا أو يطردوننا (متى 5: 44).
وقال يسوع في إنجيل لوقا 6: 35، ‘‘بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لَا تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي ٱلْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ ٱلشَّاكِرِينَ وَٱلْأَشْرَارِ’’.

أجوبة عملية عن الغفران
كيف نكون عمليِّين في غفراننا. إذا حصل زميلك في العمل على الترقية التي تصلِّي لأجلها، ففي لحظة شعورك بالغيرة والحسد تجاهه، أعظم ما يمكنك فعله هو أن تختار أن تفرح لأجله وأن تبذل مجهودًا خاصًّا لتباركه.
عندما تفعل هذا الأمر، أنت تنقض قوَّة العدو وتمنعه من التسلُّط على الوضع، فهو يريد أن يملأ قلوبنا بالغضب والاستياء والمرارة، وأن يحدث شرخًا بيننا وبين الناس، فهدفه هو تنمية بذور المرارة في داخلنا لكي تسمِّمنا! لكن رسالة رومية 12: 21 تدعونا إلى أن نغلب الشر بالخير، وعندما نفعل هذا، ننزع فتيل الغضب والنزاع والمرارة والمشاعر السلبيَّة.
في بعض الأحيان، يجب اتخاذ إجراءات، أو مواجهة شخص ما بسوء أفعاله، لكن حتَّى في هذه الحالة، لا يريد الله أن نرزح تحت عبء المرارة وعدم الغفران.

ابحث عن السبب
الحقيقة هي أن الكثير من الأشخاص لا يعلمون ماذا يفعلون، ويقومون بردّ فعل على مَا يتعرَّضون له من أذيَّة وألم. ويساعدنا تذكُّر هذه الحقيقة على الغفران والتغلُّب على الغضب وعدم الغفران.
لا أعتقد أنَّ والدي كان على دراية بالأذيَّة التي ألحقها بمشاعري وبتأثيرها على سنوات طويلة من حياتي. وهو بذلك حذا حذو الكثير من الأشخاص ممَّن لم يختبروا الولادة الجديدة، وعاش حياته بأنانيَّة وسعى وراء تلبية رغباته الخاصَّة بدون أن يعير أي اهتمام إلى عواقب أفعاله.
تذكَّر ما قاله يسوع حين كان معلَّقًا على الصليب:
‘‘يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ’’ (لوقا 23: 34)

أنظُر إلى الأمور من خلال عدسة مختلفة
من السهل علينا أن نحكم على الآخرين، لكنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّ الرحمة تفتخر على الحكم (يعقوب 2: 13). وأنا لا أقصد أنَّ المسيئين غير مسؤولين عن خطاياهم، بل يجب علينا جميعًا تحمُّل مسؤوليَّة أخطائنا.
لكنْ أعلن لي الرب أنَّ الرحمة تبحث عن السبب الكامن وراء الفعل. فالرحمة والرأفة لا تنظران إلى الخطأ بل إلى ما هو أبعد من مرتكب الخطأ، إلى طفولته وطباعه وحياته. فالله يكره الخطيَّة لكنَّه يحبّ الخاطئ.

اختر الحرية واغفر
ربَّما أنا لا أعرف قصَّتك أو ما عانيتَه من ألم، لكنِّي أعلم أنَّ الطريقة الوحيدة لاختبار كلِّ ما أعدَّه الله لك هي الغفران.
وأعلم أنَّ الأمر لن يكون سهلًا، فيلزمك شجاعة وإيمان لكي تغفر وتبدأ بداية جديدة في حياتك وعلاقاتك. لكن إذا طلبت من الله مساعدتك، فهو سيفيض عليك بنعمته وسيمنحك كلَّ ما تحتاج إليه لطاعته، وسيحرِّرك عاطفيًّا.
من الرائع أن ننظر إلى الأشخاص الذين أساءوا إلينا بعيون الرأفة، وأن نصلِّي صلاة يسوع، ‘‘يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ’’.

بقلم : جويس ماير

الأكثر مشاهدة